لتعبر عن قلق الإنسان، وحرية الإنسان، وتعطش النسان إلى الحصول على رد للسؤال العتيد الذي يلازمه رحلة الحياة.. من أين؟؟ وإلى أين؟؟ ولماذا؟؟ ولكن السؤال يطرح في لهجة مهذبة ناعمة رقيقة، غير مستفزة ولا متحدية.. فلا يسعك وأنت في غمرة الحرية أن تنسى نبرة السؤال المتأدب الرقيق، تنسى مضمونه المعقد العسير، فتنساق في ثنايا دروبه انسياق الأذن للنغم الشجي، تطرب له، لا تبالي أن كان نغام مأسويًا حزينا أم مرحا راقصا.
وتذكرنا تراكيب كمال السراج بتسطيحها وزخرفتها وتشابكها وثنائية أبعادها بتلك التراكيب التي نراها فوق أقمشة (الصواوين) في الأفراح والمآتم على السواء.. في الأفراح تطوينا في تلافيفها (الارابسكية) المنغمة والمتعددة القوافي والضروب.
إن تحرر الشكل من المرئيات المألوفة، والاستعانة بكافة وسائل التعبير التشخيصية دفعت كثيرا من الفنانين إلى ارتياد مجالات متعددة باحثين عن العنصر المجرد الذي يعوضهم عن المشخصات الدارجة التي تراكمت عند نهاية طريق مسدود، ولقد كانت الحروف الأبجدية أحد هذه المجالات التي ارتادها الفنانون في الشرق والغرب، ومن بين فنانينا نذكر (رؤوف عبد المجيد)، (يوسف سيده) اللذين انفرد كل منهما بطابع وأسلوب خاص، فبينما يفلسف يوسف سيده الكلمة ويسخر الحرف المختلف التعبيرات الوجدانية يحنو كمال السراج ناحية جمالية بحتة، هدفه التشكيل الصرف، والتأليف المجرد امتاعا للعين أن التجربة التي يضفيها كمال السراج إلى تجارب زملائه تشكل في المجموع اتجاها جديدا يصح أن نطلق عليه (التجريدية الأبجدية) ولا يقتصر الفنان كمال السراج في صياغة لوحاته على استعمال الأصباغ والألوان وحدهما، بل هو يشرك معهما خامات أخرى ذات بريق وملمس خاص، يضفي بها على الإحساس العام أبعادا تعجز الأصباغ عن تحقيقها وقد تجاوز الفنان مرحلة التبقيعية العفوية التي كان يطالعنا بها في معارضه السابقة ليرتاد تجربة جديدة مستلهما التراث، مستوحيًا التقاليد، يعيد إليها الحياة في ثوب قشيب يزفه ثراء التشكيل وغنى الخامة، ودقة الأداء.