وما يلبث الغيظ الذي انتابك أول الأمر أن يزول عنك لتعود ابتسامة الرضا على شفتيك وأنت تهتف هامسا أمام اللوحات س… س مرة أخرى… س هناك… س مقلوبة … س ملوية … س متداخلة … ثم ما تلبث أن تأخذك حماسة اللعبة الجمالية التي أنت مدعو إلى الدخول فيها فتتعقب جزيئات الحرف الحبيب وقد تداخل مع أشكال أخرى أو احتجب وراء هندسيات أخرى… ولا تلبث أيضا أن تقترب من بعض اللوحات حتى تحاول أن تفض الخناقة التي يدخل فيها حرف مع حروف س أخرى… أحيانًا يهرب حرف س منزويًا وأحيانًا يطل عليك وقد طرد كل التعقيدات من حوله.. وتارة تحس أن س يعاين أزمة، فها هو يمضي أمامك غاضبًا هادرا.. وتارة أخرى يبدو لك شاكيًا نائحا.. وربما بدا مجللا بالسواد حزينا، فثمة ما يؤرق باله..
فإذا دبت في الحرف الحبيب الفرحة أو انتشى بالسعادة فها هو يشدو مع الألوان.
إنك رويدا رويدا تلج عالم مخلوق أدخله في حياتنا الفنية كمال السراج.. إنه مخلوق مثلي ومثلك.. له مزاجه وعواطفه وأفكاره ومشاكله.. إنه مخلوق حبيب اسمه س … وإذ تخطو خارجا من عتبة اخناتون لتبتلعك زحمة المواصلات وضجيج الناس تتساءل: وهل يعني الفن لزاما قضايا فكرية؟ أو أزمات عاطفية حادة؟..
مضى كمال السراج يعرض أعماله القائمة على استخدام حرف «السين..» وقد استطاع السراج على مدى عدة سنوات أن يثبت في وجداننا شخصية ظللنا نتابعها بألفة شديدة بعد أن توثقت معرفتنا بها، هي شخصية «س» وسين مثل أي شخصية لعبت أدوارا ممتازة في عدة أعمال روائية آن الألوان على ما يبدو كي تفارقنا.. لقد استنفذت هذه الشخصية الحبيبة ما لديها ولم يعد عندها ما تقوله.. وها هي في لوحات السراج الأخيرة تكاد تطل علينا بتحية وداع وتتراجع حتى تصبح خلفيات أو تتداخل مع أشكال تجريدية أخرى غير محددة، وأخيرا تدير لنا ظهرها مبتعدة إلى غياهب التبدد ونظل نتابع بقايا هذه الشخصية في اللوحات الأخيرة وكممثل كبير أخذ نجمه في الافول نجد سين يقبل أدوارا مبتذلة حتى يصبح في إحدى اللوحات مجرد طرطور على رأس مهرج ذي شوارب طويلة.
لم يبق لنا الآن إلا أن ننحي أمام العزيز الراحل سين، ونسأل كمال السراج ما الذي أعددته ليحل في اعمالك محل بطلك الذي طالما حكيت لنا من خلاله أقرب النوادر التشكيلية… ويخيل لنا أننا ال نفاجئ السراج بهذا السؤال، فهو بدوره يسأل نفسه هذا السؤال الممض أيضا ويتغول في أعمال الفن الإسلامي وأعمال الفن الحديث عله يجد طريقا جديدا يفتحه لنا.