Dr Kamal Elsarrag

«س» من غير «ج»

 

 

يقولون أن الحرف يقتل.. ولكن الذين سيشاهدون معرض الفنان المبدع كمال السراج سيلمسون عكس ذلك.. سيلمسون كيف ينبض الحرف، وكيف ينطلق ببلاغة.. وكيف يبعث الحياة من فيما حوله.. حرف عربي واحد.. ينفصل عن بقية الحروف.. ويتقدم بكل جرأه وثقة يتحدى العجز والقصور ويتحدى الذين يقولون بإفلاس الخيال، ونضوب معني الإبداع.. وليثبت منطق قوى صارخ وواضح أن الثراء ليس في غزارة المحتوى، ولا ضخامة اللوحات ولا طنطنة الموضوع، ولا في انتفاخ الشعار.. بل هو في كيفية التناول.. تناول أبسط الأشياء وتقدميها بمنتهى البساطة بذكاء.. لقد استعار الفنان من بين الحروف الأبجدية حرف «السين» واصطحبه معه في رحلة إبداعية غاية في الإمتاع والطرافة، وراح يصوغ من هذا الحرف المتواضع تراكيب غاية في الذكاء والتنوع، دون أن ينسي عربية الحرف، ولا شرقية عنصره.. بمزجه بأقران له مختلفين في الحجم واللون، ويشركهم في رقصات جماعية تتشكل فوق سطح اللوحة في إيقاع شرقي أصيل، وتنغيم عربي المذاق، مصري الرنين، وإذا جاز لنا أن نستعير كلمة: (الباليه التشكيلي) لنصف بها اعمال (كمال السراج) فلا نكون قد جاوزنا الصواب.. فإذا كانت رقصات الباليه تتطلب من مصممها اختيار الرقصات من أصحاب القوام الواحد، ويلبسهن زيًا متشابها -لونًا وشكالً- للحفاظ على وحده الشكل والحركة والقالب العام.. فكذلك كمال السراج وهو يوزع حروف السين فوق مسرح لوحاته تتقدمهم «السين» – «الفيديت» الراقصة الأولى بدورها الرئيسي تؤديه تحت بؤره الضوء ومركز الصدارة، برشاقة وخفة وبراعة.

وإذا جاوزنا الشكل الذي يبلغ بمصاحبة ريشة الفنان قمة الإحكام والتماسك والترابط وحسن التنسيق والتوزيع، ويبلغ من حيث موسيقية ألوانه ذروة التناغم والتوافق والانسجام فإننا نستطيع أن نعثر بين ثناياه على موضوعيه ترضي الباحث عن الموضوع الأديب المستتر وجودا في أعامق الحرف الأبكم الصامت.. فحرف السين يتحول إلى سؤال بال جواب.. علامة استفهام تحارصك من كل جانب، تضيق عليك الخناق، تطالبك بجواب يريح قلقها ……