صاحب ملحمة حرف السين في فن التصوير عن عمر يناهز 87 عاما رحل الفنان كمال السراج الأستاذ المتفرغ بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة والرئيس الأسبق لجامعة حلوان. والفنان الراحل تخرج من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم تصوير عام 1960 وحصل على دكتوراه في التصوير من أكاديمية الفنون الجميلة بفينيسيا – إيطاليا عام 1967.. وهو عضو مؤسس بنقابة التشكيليين وعضو بنادي الفن بميلانو.

وقد ظل حرف السين يتألق بغنائيات التشكيل في أعماله طوال رحلته مع الإبداع. وإذا كانت الحروف العربية من الخطوط الطيعة تشكيليًا.. يستطيع الفنان التحاور المستمر معها من خلال القواعد والقوانين المتعارف عليها ومن خلال إيحاءات الشكل الغنية بالخط واللون.

وذلك ألن الحرف العربي يمتلك طاقة روحية ضخمة بما يحمل من إمكانيات التشكيل والتطويع.. خاصة وهو يسمو ويبتهل ويتضرع ويصرخ تبعا للحالة التعبيرية.. فيعد الفنان كمال السراج من بين فنانينا الكبار الذين قدموا صيغة تشكيلية جمع فيها بين ثراء الحرف وقدراته التعبيرية والتشكيلية وبين هذا المزيج التجريدي بما يعد إضافة جديدة للحروفية العربية في الإبداع التعبيري، وطوال رحلته مع الفن والتي امتدت من فترة الستينيات من القرن الماضي، ظل متيما بحرف السين، وأصبح هذا الحرف من بين الحروف العربية زاده وزواده وأيقونته التشكيلية.. وقد اختاره وحده وشكله وحيدا فريدا داخل إيقاعات تجريدية كما شكله متشابكا ومتقاطعا.. مقلوبًا ومائلا واوقفها في صلابة مع مجموعة من سينات أخرى.. وفي الحقيقة يصعب تأويل اهتمامه بهذا الحرف.. هل لأنه يرتبط بلقبه السراج؟ أم لأنه يدخل في تركيب كلمة السماء والتي تعرب عن تجليات السمو والإشراق… والتخلص من الاسر المادي الذي يربطنا بالأرض والتحليق إلى آفاق العلي رب السماوات.. وربما وجد في التشكيل العضوي للحرف وما يحمل من تلك الثلاثية من السنون المتساوية والتي تنزلق إلى هذا التشكيل القوي… صورة للاستواء والتنوع والثراء وقد تألقت اعمال الفنان السراج متغنية بهذا الحرف الرقيق الثري لديه.. تأكيدا على استمرار ملحمته السينية والعجيب أنه في كل معرض وكل لوحة كان يقدم إيقاعا جديدا.. ينتقل به من حالة إلى حالة سينية أخرى مع عناصر مختزلة ورموز.. كما في حرف السين داخل إيقاع من الأخضر المضيء والداكن مع الهرم والذي تألق في إحدى لوحاته بوضع طبيعي وآخر مقلوب.. ويتكرر أيضا بين المساحات.. يتقاطع ويتشابك، كما نرى حرف السين في لوحة أخرى على خلفية من البرتقالي في سينات متنوعة بألوان من البنيات والأسود والأحمر الناري.. وفي النهاية تشكل مجموعة الحروف بوابة تنفرج عن سينات أخرى جديدة، والشك أن ملحمة الفنان في إحدى لوحاته المتسعة والتي تألقت في إيقاع من البيج والبينات والأحمر الناري والأسود والأخضر الزيتوني.. تمتد بالنقوش الدائرية والمساحات المنحنية في طرق واتجاهات وتشابكات.. وما بين التقاطعات يطل حرف السين هنا بلمسة تلقائية.. لمسة حانية بعيدا عن صلابة الهندسيات.

سلام على الفنان كمال السراج بعمق ما قدم من أنشودة بصرية عميقة.. وخالص العزاء لأسرته.