ظواهر جديرة بالتسجيل في المرحلة الثانية هي بداية الاتجاه للحصول على درجات علمية في الفن فكان الدكتور يوسف سيده، والدكتور طه حسني من أوائل الحاصلين على درجة الدكتوراه في الفن، ورغم الاشكالات التي لا تزال تثار حول إمكانية الحصول على درجة الدكتوراه في الفن، أو بمعنى آخر إمكان إخضاع الفن للبحث العلمي، إلا أن الجيل الأول فاق بأعماله هذه الدرجة وقد منح بعضهم في عيد الفن الذي استحدثته أكاديمية الفنون بالهرم في عهد الرئيس السادات درجة الدكتوراه الفخرية أمثال حامد سعيد وراغب عياد، ومن قبلهم الرائد المرحوم سيف وانلي والجدير بالتسجيل أن الغالبية العظمى من رواد الفن المصري مارسوا تدريس الفن سواء في كليات الفنون أو في التعليم العام، وأن كان الفنانون الذين عملوا بالكليات قد نالوا قدرا من الشهرة، إلا أن فريقا كبيرا من العاملين بحقل التعليم لهم اسهامات فنية واضحة أمثال الفنان محمود النبوي الشال الذي يعد مثالا للنشاط الفني فلقد تبنى معرضا فنيًا يقام كل عام منذ نهاية الستينيات حتى الآن ولم يقلع عن فكرته التي القت رواجا بين الفنانين سواء عندما عمل بمحافظة أسيوط أو بمحافظة الشرقية أو بالقاهرة، كما كانت ولا تزال اعماله في الزجاج المؤلف مثار أعجاب ومناقشة، ولا تنسى الفنانة عطيات الأحول بأعمالها المتصلة في مجال طرق المعادن، والفنان غالب خاطر صاحب الصوت القوي في المطالبة بحقوق الكادحين عن طريق رسومه المصورة، والفنان أبو خليل لطفي الذي أقام معرضا لأخر اعماله الفنية بالكويت القى نجاحا باهرا وتميز بالانتقال لتسجيل اللحظة الخاطفة للخاطر السريع، وغير هؤلاء كثريون في مجال تعليم الفن بالتعليم العام يستحقون وقفة تأمل وتحليل فردي. والظاهرة الأخرى البارزة في حركة الفن المصري المعاصر هي مساهمة معهد التربية الفنية الذي أنشئ عام 1973 كمؤسسة تعطي (دبلوم ً) في التربية، ودراسته لمدة عامين بعد الدراسة بإحدى كليات الفن، ولكن ما لبث أن تحول إلى كلية تخصصت في تخريج معلم الفن في التعليم العام وقدم أساتذة المعهد من الفنانين زادا قويًا للنهضة الفنية، فكان من الجيل الأول شفيق رزق وسعد الخادم والبسيوني وحمدي خميس، ويوسف سيده، والأرنؤطي وكمال عبيد وعبد الغني الشال وجاذبية سري وزينب عبد الحميد، وثروت روحي ثم الجيل اللاحق عبد الرحمن النشار الذي يدرس التصوير
بكلية التربية الفنية -وفرغلي عبد الحفيظ- وأحمد كمال حجاب ومصطفى الرزاز ونبيل الحسيني، ثم الجيل الأخير مصطفى مهدي، ومحمود عبد العاطي وغيرهم كثريون لهم إسهامات بارزة في الحقل الفني.
وتميزت بعض اعمال كلية التربية الفنية بسمات معينة أبرزتها بين المعارضين. فأعمال نادية خفاجي والمرحومة الفنانة سادات عباس تنطوي على حس فني نابع من تاريخ هذه الكلية ثم أن الكثير من اعمال الأشغال الفنية وأشغال الخشب والمعادن وارتياد خامات جديدة على عني المشاهد وتوظفيها فنيًا بشكل ملفت للانتباه من خصائص بعض فناين هذه الكلية فلا تنسي الأعمال الأخيرة للفنانة زينب السجيني، واعمال الفنانة ليلى سليمان في النحت المركب من الحديد والمعادن.
وأما الظاهرة الملفتة لانتباه ابتداء من المرحلة الثانية (ما بعد مختار) هي اقتحام المرأة المصرية الفنانة لميدان الخلق الفني وتسجيل بصامت واضحة في مجال الإبداع ونجد صعوبة في حرص وإبراز الفنانات المصريات ولنذكر منهن، تحية حليم، فيسيلا فريد ، ومرجريت نخلة، وجاذبية سري، خديجة رياض، إنجي أفلاطون وزينب عبد المجيد، وثريا عبد الرسول وزهرتان صغيرتان لمعتا أخيرا هما الفنانة المصورة الشابة نهى طوبيا، والخزافة فاطمة عباس، وأن تميزت اعمال المرأة المصرية بتمجيد بطولات الشعب خلال الثورة، إلا أن ظهورهن بصورة قوية خلال معرض الرائدات المصري ات بمناسبة عام المرأة العالمي تحت رعاية سيدة مصر الأولى أبرز دورهن الرائد في دفع حركة الفن المصري ، ونجد أن الغالبية من الفنانات ارتدن مجال التصوير ولكن اعمال نادية خفاجي في المكرمية، واعمال ليلى سليمان في النحت، واعمال سادات عباس في الخيمية، واعمال ثريا عبد الرسول في الحفر يظهر بعض التنوع في مجالات الخلق للفنانة المصرية وإن كانت السيادة لا تزال للتصوير، فالمرأة المصرية منذ انطلاق السيدة هدى شعراوي لها دور بارز في جميع الميادين. ويشئ آخر خليق بالتسجيل لتأصيل حركتنا الفنية هو الدور البارز للفنان الهاوي أو الفنان الذي لم يدرس الفن في التعليم النظامي وشعبنا يملك غريزة الفن وأن كانت الغرائز مجال مناقشة في علم النفس ونستخدمها تجاوزا فلا ينسى في هذا المجال الفنان عبد البديع عبد الحي النحات المتمكن والذي على دراية بكثير من أسرار هذا الفن وصب خاماته، والذي يملك قوة بناء الشكل ووحدته بشكل لا يضاهي، والفنان النحات محمد رزق الذي برع في اعمال طرق النحاس وتركيبه، ولا ننسى الرائد الكبير الذي علم نفسه الفنان سيف وانلي صاحب مدرسة خاصة داخل المدرسة المصرية ونشر الفن في مرسمه على طريق كبار فناين العالم ، وها هو في آخر معارض البنالي هذا العام نجد الفنان الفطري شحاته عبد الله الذي حصل على جائزة النحت الثالثة عن الجناح المصري. والملاحظ أن الفنانين الذين برزوا من خارج كليات الفنون أو الهواة، تركزت أغلب اعمالهم الملهمة في ميدان النحت، حتى الفنان الشعبي مبروك الذي قدمه الفنان الكبير بيكار وشاركه بعض معارضه كانت اعماله في النحت القريب في بنائه من الكاريكاتوري والذي يذكرنا ببعض اعمال الرائد الكبير محمد حسن، وضمن النظريتين تأتي مدرسة رمسيس ويصا واصف بالحرانية التي كشفت القناع عن القدرات الإبداعية الكامنة في الشعب المصري ، فلقد القت اعمال الفالحين الأميني في فن النسيج احترام النقاد في العامل بل وعرضت في أهم متاحف العامل (متحف اللوفر) بفرنسا كما لا ننسى إسهامات التطبيقيين في مسيرة حركتنا المعاصرة.