Dr Kamal Elsarrag

الفنان كمال السراج 1934(م)

أ.د السيد القماش

 

 

ينتمي الفنان الكبير المصور كمال السراج إلى الرعيل الثالث من الفنانين المصرين، والذي يضم مجموعة متميزة من المصورين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ فن التصوير المصري  الحديث والمعاصر منهم على سبيل المثال الفنان المصور زكريا الزيني (1932-1994) الفنان أحمد نبيل(1934-2022) الفنان شعبان مشعل (1932-2014)، والفنان صلاح عسكر (1939)، وهؤلاء الفنانين هم مجموعة من الفنانين أصحاب فكر ورؤى فنية تؤكد على الأصالة والإبداع والفكر القائم على الثقافة الكونية والإنسانية والتشكيلية الواضحة المعالم والمؤثرة على حركة التشكيل المصري  بالعديد من اتجاهاته وتياراته الفنية الأكاديمية والمستحدثة وفناننا الكبير المصور كمال السراج بدأ اعماله الفنية مروراً بالمرحلة الأكاديمية الكلاسيكية الدراسة الواعية المتفحصة المدركة لكل عناصر الوجود المتعمقة داخل أسرارها وفلسفاتها الحسية والشكلية واللونية وكذلك القيم الجمالية المتعددة وإدراكها الكلي داخل العمل الفني.. هذا وقد ظهر تفوقه في هذه المرحلة حيث كان مشروع التخرج من الكلية عن مريض المستشفيات الشعبية فقدم أعمال تتسم بالواقعية التسجيلية والتعبيرية في نفس الوقت النماذج مختلفة ومتعددة من البشر تتعرض لواقع مهني في إطار مأسوي معتمدا على قوة الرسم والتشريح والتعبير المستفيض وكذلك الأوضاع والألوان والعالقة القائمة بين تلك الشخصيات وما تشعر به من مأساة حقيقية تثير المتلقي وتجعله يتعايش ويتعاطف مع هذه الحالة المتردية والتي اعرب عنها فناننا المصور الكبير  بكل صدق وقوة في التنفيذ وتمكن في الآداء وجرأة في التناول.

وفي مرحلة أخرى جديدة التناول وخاصة في أواخر الستينيات وارتباطًا أو تأثرا مباشرا بهزيمة خمسة يونيو 1967 والتي انتكست من خلالها كل العالم بالنسبة للفنان المصري حيث بدأت مراحل الرفض للواقع والتمزق والتي أثرت على الرؤى التشكيلية وانقسم فنانوا هذا الجيل إلى قسمين اتجاه غاضب يعلن غضبه وأحزانه ومرارته ويطالب بالإصلاح والصمود، واتجاه آخر عازفًا عن المشاركة في قضايا المجتمع وسجن بداخله الأحزان لتخرج في شكل فني جديد متجها للتجريد المطلق وأصبحت قضيتهم هي البحث والكشف في التجريد اللوني والخطى إلى حد إسكان أنفسهم ومشاعرهم داخل هذا التجريد، ومنهم من بدأ ينثر الحروف العربية دون مدلولها اللفظي على مسطحات لوحاتهم بأسلوب معاصر جديد مثير واعٍ، حيث نجد الفنان (السراج) وقد خاض تلك التجربة على سطوح لوحاته التي اتسمت بالتجريد الطبيعي من خلال خطوط عصبية حادة أحيانًا ومتماوجة مائلة مسترخية أحيانًا أخرى، حيث أصبح مطلبه التشكيلي تحقيق صيغ وتكوينات وموضوعات جديدة ولكنها كانت مرتبطة بالتجريد الطبيعي للشخوص والشخصيات وعناصر الطبيعة المتعددة وخاصة في علاقتها بالمساحات المتجاورة والتي تتوائم بالموضوعات والأفكار الفنية والعلمية المستحدثة والمواكبة للحالة الشخصية والمجتمعية والتي ظهرت واضحة في اختيار العناصر والموضوعات والربط الواعي المستنير القائم على الأداء الفني الراقي الخالص إلى المعنى البعيد داخل التكوينات ذاتها.

ثم انتقل فناننا الكبير (السراج) إلى مرحلة أخرى أكثر إغراقًا وعشقا في التجريد نحو البحث عن أشكال جديدة وتكوينات مستحدثة حيث بدأ في السبعينيات مرحلة تحول نحو استخدام حروف الكتابة العربية دون مدلولها اللفظي العربي المتعارف عليه ولقد كان تناوله قارصا على حرف الـ «س» ذلك الحرف المميز المليء بالحركة والتعبير والذي يعطي من ذاته الشكلية واللفظية معان كثيرة موحية، وظهرت سيناته في عديد من اللوحات والرؤى التجريدية في محاولة لتحقيق قيم تشكيلية جديدة من خلال ذلك الحرف في كل عمل متناول فهو يعزف بهذا الحرف على مسطحاته بأشكال متحرره الإيقاع تتحاور مع أرضياتها اللونية في تآلفات مختلفة راعي فيها البحث والتجريب المتعدد ليصل بهذا الحرف إلى أقصى معطياته التكوينية والجمالية البحته، وقد تعامل معه في تكرارات إيقاعية راقصة بالغة الثراء والتنوع سواء في التكوين الفردي والخاص بالحرف، أو في المجموعات الحروفية له واشتقاقه النفسي والتشريحي والمجموعات اللونية في معالجة السطوح الأمامية والخلفية للوحة واستخدام الشفافية اللونية والخطية والتراكم والتقاطع والتجاور والتكبير والتصغير والخداع الشكلي والحركي والمنظوري الذي يهيمن على التكوينات لتبدو أحيانًا أيزوميترية بدرجة ميل تكثف البُعد التعبيري للعالقات الخطية والمساحية والحروفية والتكرارية، وأحيانًا أخرى دائريًا متماوجا دون تماثل أو انفعال متعمد وذلك للخروج بتلك الحروف «س» من أسر التكوينات الخطية الزخرفية البسيطة إلى صميم عالم الفنان المصور الواعي لقيم التصوير وكأن تلك الحروف هي شخصياته الإنسانية والحيوانية والنباتية التي تحولت بفعل الإبداع المستنير على حروف وخاصة حرف الـ «س» ذلك الحرف المليء بالإيقاع المساحي والشكلي والحركي والذي له عالقة وطيدة بينه وبين اللغة العربية التي تحمل الكثير من المعاني والتي تصب إلى المدرك والمعلوم.

وفي الحقيقة أن فناننا الكبير المصور كمال السراج قد بث في لوحاته الكثير من شخصيته الرفيعة المستوى وثقافاته المتعددة وإنسانياته التي ليس لها حدود ويظهر ذلك جليًا عند قراءة مجمل اعماله بصورة دقيقة علمية كاشفة عن مكنون التعبير الحقيقي والثقافة البصرية والحسية الفياضة والتي خرجت في مجمل تلك اللوحات من خلال عناصره الهامة التي صورت ورسمت تلك اللوحات حيث نجد الخطوط المتعددة الراسمة والمحددة لأبطاله السينية فهي إما منكسرة أو مستقيمة أو حانية أو جائرة أو عصبية زائدة بالتواؤم والتماسك مع أسامكها التي ترسم أبطاله، حيث نراها تتقاطع وتتقابل وتنكسر على استحياء مؤكدة على الهدف والفكرة الفنية، مرة بقسوة وقوة ومرة أخرى بهدوء ورقة وشاعرية مفرطة تجمع بين التجريد الخالص وبين التجريد العضوي الذي يسمح بحركة الهواء داخل التكوين في التلاعب والتناغم بين تلك الخطوط المرسومة المصورة بالألوان والأبيض والأسود وبين الفراغات التي يجري بداخلها بعضا من بقايا تلك الحروف في حالات تعبيرية توحى بأشكال إنسانية تنازلت عن أشكالها لتعيش داخل تلك السينات والمساحات والخطوط في حالة من التعبير الذاتي المتدفق والنفسي البليغ، فنجدها مرة واثقة من ذاتها الشكلي ومرة في حالة من الفرحة طائرة في الفراغ يسبح معها وبها، ومرة راسخ يؤكد معاني قومية يجمع بين القراءة البصرية الشديدة الاتقان والفهم العميق للتشريح الحروفي، والذي أصبح به ذلك الحرف الـ «س» وكأنه (موديل) إنساني يعاين ويحزن ويتلوى وينام ويستيقظ مفزوعا مرة ملتقى مع الوجود الطبيعي ومرة نراه حزينا مخنوقًا يبحث عن الخلاص من ذلك الاسر الثلاثي (السنون) لينتشر في اللوحة مناديًا مرددا بعضا من مساحاته وفراغاته وأشكاله في أوضاع وحركات ومساحات ومسافات واتكاءات وهدوء في حالة تصويرية فنية تؤكد على تمكن الفنان كمال السراج من الأكاديمية الفنية بمقاييسها الشكلية واللونية والحسية بالالتقاء بالفلسفة اللونية والخطية واللغوية الحركية المتشعبة التي تحمل الانحناءات والدوائر والخطوط الإشعاعية على خلفيات مشغولة بعناصر تؤكد على ترابط التكوينات فنجدها (الخلفية) مرة ساكنة صافية تغازل العناصر والحروف والألوان المتنامة والمتناسقة والهتامة البستيلية ومرة الألوان المتقابلة والحروف المتدابرة والمتلاقية والسابحة، ومرة أخرى وكثيرا نجد الخلفيات الداكنة التي تعطي الإحساس بالسحر المشحون وفعل اللحظة المواتية، مع الدوائر المتعددة المضيئة التي تحمل أحيانًا فكرة الكون والمال والوجود والزمن والرحم الذي ينشأ من داخلة الكون الإنساني والفكر الفني والأهداف التشكيلية التي أكدها فناننا الكبير  (كمال السراج) حين نرى في بعض لوحاته حرف «س» وهو يتحول من كائن إنساني إلى طائر خرافي أو شرائط ثعبانية أو خطوط مليئة بالليونة لدرجة الهيام والعشق والتفاني أو رجال وكأنهم محاربون قدماء يدافعون عن أنفسهم من ذلك اللغط، أو شباب يمرح في مساحات اللوحات بين الطبيعة المتشعبة بالأشجار والوريقات والأزهار وبين طبيعة ذلك الحرف المليء بالإنسانية والحركات المتعددة المثيرة والتي نجح الفنان (السراج) في الكشف الحقيقي والباطن الدفين لسر ذلك الحرف وكأنه يتعامل مع إنسان يصوره في ضوء مرة وفي ظلمة مرة وفي الآخرة مرة وفي الدنيا بكل ما فيها مرة أخرى في تكوينات وتصميمات محبوكة تماما وكأن قدر لهذا الحرف أن يعيش في دنيا فنان يذهب به إلى آخر مدى في التعبير به عن شتى مناحي الحياة وخاصة الإنسانية والنفسية والمادية القاسية وذلك من خلال فلسفة التصوير بالأقلام الجافة والملونة والأحبار والألوان الزيتية والجواش وقصاصات الورق المطبوع لينطلق مع الحرف «س» ككائن حي مثير.

هذا وقد مارس الفنان (السراج) فن الجرافيك الملون واستخدم في ذلك طريقة الحرف على اللينوليم ومعدن الزنك، وفي اعماله الأخيرة قدم تجربة جديدة في بحثه المستمر وسر عملية مزج وتزاوج لفن الجرافيك والتصوير والرسم والكولاج مؤكدا وحدة الفن التشكيلي في تحقيق غايته الفنية في تأكيد

عالمه الفني المتميز والمؤكد لشخصيته الإنسانية وعبقريته الإبداعية. والفنان الكبير كمال السراج مواليد 1934 مدينة كفر الزيات، حاصل على دبلوم كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم التصوير عام 1960 دبلوم أكاديمية الفنون الجميلة بفينيسيا إيطاليا 1967 أستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم التصوير رئيس جامعة حلوان الأسبق، أقام اكثر من 35 معرضا خاصا في القاهرة بلجيكا، أمريكا، مثل مصر بأعماله في التصوير ببنالي فينيسيا بإيطاليا 1982 بنالي الإسكندرية 1968 بنالي القاهرة 1986 حصل على الجائزة الثالثة في بنالي الإسكندرية ووسام العلوم والفنون 1980 من الطبقة الأولى, الجائزة الثالثة في الحفر اسكندرية 1968, جائزة الدولة التشجيعية

1980 في التصوير، له مقتنيات في مجموعات خاصة في مصر، سوريا، الأردن، إيطاليا، النمسا، بلجيكا، فرنسا، أمريكا متحف الفن الحديث بالقاهرة، متحف كلية الفنون الجميلة القاهرة والإسكندرية، الأكاديمية المصرية بروما.