ولد الدكتور” كمال محمد إبراهيم السراج” في كفر الزيات عام 1934 وتخرج من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام .1960 عاش أثناء فترة الدراسة بالكلية في سكن متواضع بالقرب من الكلية وذلك خلف ميدان الكيت كات، ولحبه للوحدة سكن بالقرب من شارع الوحدة بإبمابة. بدأ مرحلة الدراسة في هدوء وصمت تام.. كانت صداقاته محدودة بين زملائه.. صبور.. لا يتكلم كثيرا.. يعمل باجتهاد.. وكان يسعى لتحقيق يشئ ما لا يعرفه غيره، يهتم بمظهره والتقيد بالرسميات في الملبس.. كان شعر رأسه كثيف وكان يوليه عناية كبيرة بشكل خاص.. حيث كان يمتاز بتموجات منظمة ومهذبة ثابتة طوال اليوم دون أن تهتز منه شعرة واحدة.. وكانت هذه التسريحة موضة.. كنا نراها لدى بعض الممثلين مثل “عماد حمدي وحسني صدقي..” وكان مغرماً بلبس الجاكيت بالخطوط المربعة ولم أراه بجاكيت سادة، أما في فصل الصفي فكان يبدله بقميص مربعات أيضا.. كان جاد بين زملائه.. ومختلفا عنهم حيث يلبسون الجينز؟ علاوة على بهدلة الألوان.. والهرج والمرج.. لا يعرف اللعب ولا الهزار أو المداعبة.. لا يعاتب أحد ولم تصدر منه في يوم من الأيام أية شكوى تعيبه.. يشارك الجميع في هدوء وفي حدود.. دون الخوض في عالقات كثيرة مثل مشاركته في حفل التخرج.. مقل في رحلات الكلية.. والنشاطات الأخرى بالكلية، لم يكن له أعداء والأصدقاء بل كانوا زملاء فقط وفي نهاية الفرقة الرابعة تصوير قام بعمل مشروع البكالوريوس عن المستشفى وذلك عام 1960 وعين معيدا بالكلية، زملائه في الدراسة كل من “زكريا الزيني وشعبان مشعل وأحمد نبيل وصالح عسكر”، وتم تعيينهم جميعا معيدين في الكلية، وهذه الدفعة هي التي تم تعيينها بعد “الجزار وحامد ندا وممدوح عامر” حيث لم يعين بعدهم سوى دفعة 1964 ومنهم “صبري منصور ومحمد رياض سعيد ومصطفى الفقي وحسن عبد الفتاح”، وشاهدنا مشاريع البكالوريوس الخاصة بدفعة “كمال السراج” وكانت مشاريعهم جميعا ممتاز بالقدرة الفائقة في الاداء والتمكن الأكاديمي لما لها من براعة في الأداء ومليئة بالموضوعات المتنوعة عن البيئة المصرية. وبعد عدة سنوات أنشئت جامعة حلوان وأصبحنا تابعين لها وبدأت مرحلة جديدة ودخلنا الدراسات العليا مرحلة تمهيدي ماجستير وهنا بدأت جميع أقسام الكلية في الدخول بالدراسات العليا حيث تقدم للدفعة الأولى كل من “سامي رافع وكمال حمودة وكمال شلتوت وناجي شاكر ومحيي وهبة وزكريا الزيني وكمال السراج وأحمد نبيل وشعبان مشعل، ثم صبري منصور ومحمد رياض سعيد ومصطفي الفقي..” وأثناء الدراسات العليا أعلن عن بعثات للخارج حيث سافر معظمهم في هذه البعثات تاركين الدراسات العليا ولم يبقي سوي “رياض سعيد وصبري منصور ومصطفي الفقي” وسافر “كمال السراج” في بعثة إلي ايطاليا وزملائه كل من “زكريا الزيني وأحمد نبيل وشعبان مشعل” ..ثم سافر “محمد رياض” إلي إسبانيا وبعد أن أنهي ”صبري منصور ”مرحلة الماجستير سافر أيضا إلى إسبانيا ومصطفى الفقي” إلى إيطاليا للحصول على الدكتوراه، وعاد الجميع إلى أرض الوطن ممتلئين بثقافات جديدة أثرت على اتجاهاتنا واكتسبنا رؤية خاصة وزرنا متاحف كثيرة ورأينا اعمال الفنانين عن قرب والتي كان لها الأثر الكبير علينا وما يهمنا هنا هو الدكتور ”السراج” حيث تزوج بعد ذلك من إحدى خريجات قسم التصوير وهي الفنانة “سهير حشمت” ابنة الفنان القدير الراحل “حسن حشمت” وكانت إحدى تلميذاتنا التي نكن لها كل تقدير واحترام. لقد تغير أسلوب “كمال السراج” وثقل بأفكار حديثة كان لها الفضل في بلورة اعماله وبدأ يلخص ويحور حول لزمة واحدة وهي حرف الـ (س) وتأكيدا لاهتمامه بهذا الحرف أنني قمت ببناء مقبرة في مدينة 6 أكتوبر وقلت للدكتور” كمال (:” أنت مش عايز مقبرة بجواري في 6 أكتوبر) وعلى الفور وافق وبدأ في بناء مقبرة له بالشكل الذي يختاره وكانت المفاجأة بأن طلب من المقاول بأن يضع على واجهة المقبرة وفي الصدارة حرف الـ (س) بشكل واضح ومميز كعالمة ورمز للمقبرة وكان هذا هو سره الأخير.. ولا يعرف أحد السر في استخدامه لهذا الحرف.. هل يرجع ذلك لزوجته التي يبدأ اسمها بحرف الـ(س) الله أعلم.. وكما قال “كمال السراج” سابقا وعن لسانه شخصيًا عن رحلة حرف السين (منذ سنة )1969 داعب خيال الفنان الشكل الجميل للحروف الأبجدية العربية وطرق كتابتها كجزء من تراث الفن الإسلامي المنتشر على رقعة الأرض العربية والإسلامية، وكذلك البالد التي كانت خاضعة للحكم الإسلامي فترة من الزمن.. هذا الفن المتمثل في تأليف زخارف الخطوط العربية داخل وخارج العامرة الإسلامية وكذلك مخطوطات التراث الإسلامي في تسجيل وكتابة آيات القرآن الكريم وقصص الأنبياء والمرسلين. وقد كان اختيار حرف «س» من الحروف الأبجدية العربية اختيارا يرجع إلى تركيبته الفنية الانسيابية وشكله الجميل المركب المملوء بالحركة والحيوية، وكانت فكرة الفنان في أول الأمر هي البداية باستخدام حرف «س» كلغة تشكيلية في تكوين موضوعات أعماله الفنية.. وذلك من خلال شكله الجميل المجرد أو من خلال إيحاءاته المختلفة.. على أن يتبع هذا الحرف حروف أخرى قد تأتي بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر حسب حالت وزمن تواجد وحي الإبداع لكل حرف في وجدان الفنان.
ولكن حينما انطلق عنان الخيال الفني عند الفنان كلغة تشكيل في استخدام واستلهام حرف الـ «س».. استمر في اندفاع العطاء وقمة الإبداع وكأنه معني لا ينضب بلا حدود وبلا نهاية.. حتى أن الحرف نفسه قد عبر واجتاز مراحل فنية متعددة الأساليب والاتجاهات والخامات وطرق التنفيذ. وأصبحت بعد ذلك عملية الإبداع الفني عند «كمال السراج» بمثابة بحث في معطيات أشكال وجماليات هذا الحرف، واستمر حرف «السين» في العطاء الفني بأسلوب أكثر انسيابية أقرب إلى الطبيعة الممتزجة بالخيال والفكر داخلا متداخلا في تكوينات تشكيلية وعلاقات جمالية وانفعالات حسية منفذة بأكثر من خامة وأكثر من طريقة وأكثر من فكرة دون تكرار إلى أن أصبحت له شخصية فنية متفردة عصرية مرتبطة بشخصية الفنان من خلال رؤية ذاتية خاصة جدا. ورغم ذلك كان لهذا الكم والتنوع في لوحاته علامة مميزة ألقت الضوء عليه وأصبحت أعماله ذات طابع خاص مما جعله يتألق ويحور هذا المضمون بحداثة مليئة بالصدق والشفافية في التعبير.. وذلك كله كان يعتبره «كمال» سرا خاصا لا يبوح به لاحد فكثرت أسراره حتى رقم تليفونه وعنوانه ومشكلاته وأحزانه وأفراحه لا يعلم عنها أحد، وكان من أهم أسراره قرار تعيينه رئيسا لجامعة حلوان، حيث وجدناه فجأة جالسا على كرسي رئيس جامعة حلوان بشارع أحمد عرابي وهو مقر رئيس الجامعة في ذلك الوقت. ورغم ذلك كنا جميعا في فرحة وسعادة غامرة لتولي هذا المنصب الرفيع أحد زملائنا بالقسم.. رغم ذلك أيضا كانت مقابلاته رسمية وفي حدود اللوائح والقوانين.. ثم تركها فجأة وبنفس الطريقة التي عين بها، كل ذلك في السر دون علم أحد بها.. وهل كان لهذا الموقف أثر عليه دون أن يظهره ألحد واعتبره رسه الخاص جدا؟ وكان يراوده باستمرار.. ويتأمل بداخله ولا يشارك فيه غيره.. رجع «كمال السراج» للكلية كأستاذ بقسم التصوير وعاش بيننا وكله رضى وقناعة وأن الله فوق كل يشئ. وفي الفترة الأخيرة ظهرت عليه بعض علامات المرض.. إلى أن تدهورت حالته الصحية وذلك في منتصف هذا العام 2012 وكنا نسأله عن السبب في هذا التدهور.. فكان يقول قمت بعمل تحاليل وأشعة ولم يظهر بها أي يشئ.. استمر على هذا الحال مدة.. كان هادئًا.. صبورا.. ولا يتألم.. ولا يشكو.. وأجمع الأطباء بأنه لا يوجد لديه أي مرض.. وأن حالته غير معروفة! هل هذا أيضا من أسراره؟! إلى أن أتى السر الإلهي. كان مخلصا في عمله.. لم يؤذ ِذ أحدا.. كان دائما في حاله.. لم نسمع عنه أي شكوى أو صوت عال.. لم يكن له أي امتيازات كرئيس جامعة سابق مثل التي حصل عليها آخرون ممن قبله أو بعده، وستظهر لنا اعماله كل ما كان لديه من أسراره.. لان الفن هو المرآة التي تعكس بصدق وأمانة عام بداخل الفنان من انفعالات وأحاسيس وسيظل دائما معنا لما تركه لنا من أعمال فنية ستظل ذكرى طيبة لنا على مر السنين. وتمتاز اعماله بإيقاع مميز حيث تتحرك عناصره في يرس وهدوء محدثة حالة من الاستقرار وذلك لما لها من طابع لوني خاص، ولكي يحدث أحيانًا نوعا من الإيحاء بالحركة كان يقوم بعمل مسارات خطية تتعانق بين عناصره في وحدة حميمة، وذلك العطاء نوع من التآلف والتنوع في إظهار علاقات وجدانية بين أشكاله وبقية عناصره الأخرى. كان يختار لأعماله لون خاص بحيث يميزه عن غيره من الفنانين على الطريق السليم، والأمم تسمو وتعلو لما لديها من تراث فني، ومصر ستستمر على مر الزمان شامخة بفضل أبنائها المبدعين.